لا يبدو أن السلطات التونسية ستتوقف قريباً عن استخدام الأدوات الدكتاتورية لزمن زين العابدين بن علي، لإسكات الصحافيين والإعلاميين حيث يواجه العشرات منهم قضايا متعلقة بممارسة عملهم في المحاكم التونسية؛ إنها ردة واضحة عن الحريات التي كانت ثمرة لثورة الياسمين.
حققت الشرطة التونسية الإثنين 22 مايو/آيار 2023م، مع "إلياس الغربي" و"هيثم مكي" صحفيان يعملان في إذاعة "موزاييك إف أم" الخاصة وهي الإذاعة الأكثر شهرة في تونس، على خلفية انتقادهما لما اعتبراه "اختلالات" في عمليات توظيف عناصر الأمن.
واستمر التحقيق معهم عدة ساعات قبل أن يطلق سراحهما بكفالة بعد إحالة ملفيهما على مكتب النيابة العمومية للشروع في محاكمتهما بتهمة الإساءة لقوات الأمن والشرطة. وكان "الغربي" و"مكي" قد أثارا في برنامج "ميدي شو" يوم 15 مايو/آيار موضوع الهجوم الذي نفذه أحد رجال الأمن بالقرب من كنيس يهودي في جزيرة جربة وقتل فيه ثلاثة من زملائه ويهوديَيْن يوم 9 مايو/أيار.
وتزداد المخاوف لدى الوسط الصحفي بتونس من أن الصحفيين "الغربي" و"مكي" قد يواجهان مصير زميلهيما "نور الدين بوتار" مالك إذاعة موزاييك" المعتقل منذ فبراير/شباط الماضي، وخليفة القاسمي زميلهما مراسل الإذاعة في القيروان الذي يواجه حكماً بالسجن خمس سنوات بعد إدانته بتهمة "إفشاء معلومات أمنية" وذلك على خلفية نشره خبرا صحفيا صحيحا يتعلق بتفكيك خلية ارهابية بالقيروان. وهي أقسى عقوبة بحق الصحافيين في القضاء التونسي منذ عقود.
وفي أعقاب التحقيق قال الصحفي إلياس الغربي في تصريحات صحفية "نحن صحفيون ولسنا مجرمين. معركة الحريات طريقها طويل وصعب. لكننا مؤمنون بها".
تشعر "صحفيات بلاقيود" بقلق متزايد جراء تواصل الإجراءات الانتقامية ضد الصحفيين في تونس، وتدعو السلطات إلى التوقف الفوري عن ترهيب الصحفيين وإنهاء الملاحقات القضائية لهم".
إن استخدام السلطات التونسية للقضاء في استهداف حرية الصحافة وفرض أقسى العقوبات حتى تلك التي لم يقم بها نظام الدكتاتور بن علي "مهين لكل المكتسبات التي ضحى من أجلها التونسيون، ويتناقض تماماً، مع الضمانات الدستورية والمعاهدات الدولية التي وقعت عليها الدولة التونسية"؛ ويهدد العمل الصحافي في تونس ويدفع الصحفيين إلى البطالة في ظل حظر وصولهم للمعلومات الحقيقية، والترهيب الرهيب من القوانين سيئة السمعة، والمحاكمات التي لا تتوقف، حيث أصبح ترهيب الصحفيين أمراً شائعاً في تونس، حيث يتعرض الصحافيون والإعلاميون للاستدعاء باستمرار واحيانا للعنف على أيدي قوات الأمن، والطرد في أحيان كثيرة من التغطية الصحفية في ظل حظر وصولهم للمعلومات بموجب قرار من الرئيس قيس سعيّد رغم إقرار قانون لحق الوصول إلى المعلومات عام 2016.
حيث فرض قيس سعيّد نفسه بصلاحيات كاملة منذ تجميد البرلمان في يوليو/تموز 2021، واعتماد دستور جديد في الشهر ذاته العام التالي (2022) رغم امتناع التونسيين الكبير عن التصويت. واستمر في استصدار قوانين سيئة السمعة للتضييق على الصحافيين والمؤسسات الصحافية والإعلامية العمومية والخاصة؛ ضارباً عرض الحائط بكل الدعوات لإلغاء هذه القوانين، ورفض الدعوات إلى مشاورات مع منظمات المجتمع المدني المعنية بحرية الرأي والتعبير لإصلاح الوضع السيء لحرية التعبير في تونس وهي أبرز مكاسب ثورة الياسمين.
ورصدت "صحفيات بلاقيود" خلال عام 2022، ارتكاب السلطات التونسية انتهاكات بحق 132 صحفياً تونسياً بينهم (37) صحفية تونسية. تنوعت بين (22) تعرضوا للمحاكمات والتحقق و(12) للاعتقال والاحتجاز المؤقت، و 31 صحفياً تعرضوا للاعتداء المباشر، (67) صحفياً منعوا من ممارسة عملهم وتغطية الأحداث.
ويتم محاكمة معظم الصحافيين بسبب المرسوم رقم 54 الصادر العام الماضي (2022) ويتضمن قيودا غير مسبوقة، في مسعى إلى ترهيب الصحفيين والجمهور التونسي من التعبير عن آرائهم خاصة تجاه المسؤولين السياسيين. ويتضمّن ثمانية وثلاثين فصلاً موزعة على خمسة أبواب، ينص على عقوبات تصل إلى السجن ست سنوات، وغرامات مالية تصل إلى 20 الف دولار، على من يرتكب جرائم مثل "الأخبار الزائفة والاشاعات" وما وصفها ب"الوثائق المصطنعة أو المزورة". ولم يقدم المرسوم تعريفاً للأخبار الزائفة أو الإشاعة أو الوثائق التي يقصدها. وقد تستخدم هذه المصطلحات الفضفاضة التي تفتقر إلى التعريف كذريعة لشرعنة انتهاك الصحافة إذ تمتلك السلطات سلطة تفسيره.
وبموجب الفصلين 9 و 10 من المرسوم، يجوز للسلطات القضائية أن تأمر بمراقبة استخدام الناس للإنترنت وجمع بيانات الاتصالات الشخصية الخاصة بهم من مقدمي الخدمات على أسس غامضة بأن “من شأنها أن تساعد في كشف الحقيقة” أو “ضرورية للتحقيق” في جريمة مشتبه بارتكابها. بموجب الفصل 35، يمكن للسلطات التونسية تبادل هذه البيانات مع حكومات أجنبية.
لذلك تدعو منظمة صحافيات بلا قيود السلطات التونسية إلى الآتي:
- الإفراج الفوري عن كل الصحافيين المحتجزين بسبب ممارستهم لعملهم، وحتى ذلك الحين على السلطات ضمان سلامتهم.
- إسقاط التهم عن الصحافيين "إلياس الغربي" و"هيثم مكي"، وجميع الصحفيين الآخرين الذين يواجهون تهماً مماثلة؛ حيث ينتظر عشرات الصحافيين والمدونين والسياسين الذين عبروا عن آرائهم محاكمات بسبب اتهامات تتعلق بتدوينات أو تعليقات اعتبرتها السلطات مسيئة بسياسة الرئيس قيس سعيد وبسمعة رجال الأمن.
- تعديل القوانين سيئة السمعة التي تستهدف حرية الصحفيين، بما في ذلك المرسوم رقم 54 الذي أصدره الرئيس التونسي في سبتمبر/أيلول 2022، المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال.
- رفع السلطات أيديها عن التلفزيون العمومي وباقي وسائل الإعلام العمومية لتكون خاصة بالجمهور التونسي وليس لاستخدامها كآلة دعاية ضد زملائهم في المهنة.
- رفع الحظر عن قانون حق النفاذ إلى المعلومة (22-2016) الذي يعتبر أفضل التشريعات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هذا المجال. فمنذ صدور المنشور الحكومي رقم 19/2021 حول قواعد "الاتصال الحكومي للحكومة"، فإن مختلف هياكل الدولة والسلطات المحلية تفرض تعتيماً خاصاً على المعلومة. فغياب الوصول للمعلومات يزيد الشائعات ويزيد من معاناة الصحافيين اليومية.
صادر عن صحفيات بلا قيود
24 مايو/آيار 2023