تُعرب منظمة “صحفيات بلا قيود” عن إدانتها الشديدة لاستمرار السلطات المصرية في ممارسة سياسة القمع الممنهج ضد أسر المعارضين السياسيين. وتشمل هذه السياسة الاعتقال التعسفي، التعذيب، والإهمال الطبي المتعمد، مما يؤدي إلى انتهاكات خطيرة للحقوق الأساسية والدستورية للمواطنين، وإلى
معاناة إنسانية متواصلة. وتأتي قضية المعتقل أنس البلتاجي، المحتجز تعسفيًا منذ ديسمبر/كانون الأول 2013 دون توجيه تهم أو محاكمة عادلة، كواحدة من أبرز الأمثلة على هذه الانتهاكات الصارخة.
تدهور صحة أنس البلتاجي
منذ اعتقال أنس البلتاجي في 30 ديسمبر/كانون الأول 2013، على يد قوات الأمن المصرية، تعرض لاختفاء قسري دام 20 يومًا، تعرض خلاله للتعذيب الجسدي والنفسي لإجباره على الإدلاء باعترافات ملفقة. وعلى الرغم من حصوله على البراءة في قضيتين، لا يزال يُحرم بشكل ممنهج من حقوقه الأساسية، مثل زيارة أسرته أو التواصل مع محاميه. هذه الانتهاكات تشكل خرقًا واضحًا للمادة 55 من الدستور المصري، وللالتزامات الدولية التي تفرضها اتفاقية مناهضة التعذيب والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
في يونيو/حزيران 2024، أعلن أنس إضرابه عن الطعام احتجاجًا على ظروف احتجازه غير الإنسانية والمعاملة المهينة التي يتعرض لها. وردًا على ذلك، قامت السلطات بوضعه في الحبس الانفرادي بسجن العاشر من رمضان لمدة ثلاثة أشهر، مما تسبب في تدهور خطير في صحته الجسدية والنفسية.
في بداية شهر يوليو/تموز 2021، وفي أثناء عرضه على محكمة جنايات القاهرة، قال أنس البلتاجي للقاضي إنه يشعر بالخطر على حياته، وإنه يعاني من تدهور صحته الجسدية والنفسية نتيجة سوء أوضاع الاحتجاز والحبس الانفرادي بلا أفق أو محاكمة، وتجاوز الحد الأقصى للحبس الاحتياطي.
منذ بدء جلسات تجديد الحبس الاحتياطي عن بُعد في عام 2022، اشتكى أنس تدهور حالته الصحية دون أن تلقى شكواه أي استجابة من القضاة. ووفقًا لمحاميه، تعاني هذه الجلسات من مشكلات تقنية متكررة تعرقل التواصل معه بشكل فعال، مما يُثير تساؤلات حول نزاهة الإجراءات. كما أن غيابه عن الكاميرات في بعض الجلسات أثار قلقًا بالغًا بشأن مكان احتجازه وسلامته. تتطلب هذه الظروف مراجعة فورية لضمان توافق الإجراءات مع المعايير القانونية المحلية والدولية، بما يضمن حقوق المحتجز في السلامة الجسدية والمحاكمة العادلة.
استهداف ممنهج لعائلات المعارضين
وفقًا لبيان صادر عن منظمة العفو الدولية، تعرض أنس البلتاجي منذ القبض عليه للحبس الانفرادي في “زنزانة التأديب” بسجن العاشر من رمضان لمدة ثلاثة أشهر، ما تسبب في تدهور شديد في صحته البدنية والنفسية. هذا الاحتجاز، الذي يُعد انتهاكًا لقواعد نيلسون مانديلا النموذجية لمعاملة السجناء، ترافق مع حرمانه المستمر من حقه في تلقي زيارات من عائلته ومحاميه، في انتهاك لحقه في الاتصال بالعالم الخارجي المنصوص عليه في المادة 17 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
ورصدت منظمة “بلا قيود” الانتهاكات التي تعرض لها أنس البلتاجي تأتي في سياق سياسة قمعية ممنهجة تستهدف عائلات المعارضين السياسيين، ومن أبرز الأمثلة على ذلك أسرة الدكتور محمد البلتاجي، أحد رموز ثورة يناير، التي عانت من سلسلة انتهاكات شملت مقتل ابنته أسماء (17 عامًا) برصاص الأمن أثناء فض اعتصام رابعة في أغسطس/آب 2013، واعتقال نجله خالد وحرمانه من حقوقه الأساسية، بالإضافة إلى اضطرار زوجته وابنه عمار للفرار خارج البلاد هربًا من التنكيل المستمر.
كما تعرضت أسرة الرئيس المصري الراحل محمد مرسي لانتهاكات جسيمة شملت وفاة الرئيس مرسي في يونيو/حزيران 2019 داخل محبسه نتيجة إهمال طبي متعمد، ووفاة نجله عبد الله بعد ذلك بثلاثة أشهر إثر ملاحقات أمنية واتهامات كيدية، في استهداف منهجي للأسرة. كما تواجه الأسرة حملات تشويه وتهديد مستمرة، بما في ذلك محاولات إسقاط الجنسية عن ابنته الشيماء، في انتهاك صارخ للمعايير الدولية لحقوق الإنسان وحقوق المواطنة.
شهادات وتقارير
وفقًا لتقرير صحفي صادر عن منصة “درج” الإعلامية المستقلة، فإن أكثر من عقد من الزمان مر على احتجاز آلاف السجناء السياسيين في الزنازين المصرية، مما جعل الأوضاع تزداد قسوة على أهاليهم. فقد فاض الكيل بالأسر التي أصبحت في مواجهة مع واقع مرير، حيث لم تتحقق الوعود بالعفو الرئاسي، ولا يزال تعديل قانون الحبس الاحتياطي عالقًا في البرلمان. إضافة إلى ذلك، يتم تداول قصص وشهادات تشير إلى تهديد عدد من السجناء بالانتحار بعد أن أصبحوا في حالة من اليأس التام، بينما تواصل أسرهم المعاناة في الخارج، غارقة في الألم والقلق على مصير أبنائها.
انتهاكات دستورية وحقوقية
استمرار احتجاز أنس البلتاجي منذ ديسمبر 2013 يمثل انتهاكًا للمواد 54 و55 و56 من الدستور المصري، التي تحظر التعذيب وتضمن كرامة المعتقلين ،وتضمن الحق في محاكمة عادلة ، ومنع التعذيب ، وتكفل حقوق السجناء في الحصول على معاملة كريمة ورعاية صحية إضافة إلى أن هذه الانتهاك يشكل تجاوز لقانون الإجراءات الجنائية بفترات الحبس الاحتياطي. حرمانه من حقوقه الأساسية مثل التواصل مع عائلته ومحاميه، والحبس الانفرادي المطول، يخالف المعايير الدولية، بما في ذلك اتفاقية مناهضة التعذيب والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ، تعد هذه الانتهاكات إخلالًا بالتزامات مصر الدولية المنصوص عليها في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ما يضعها في موضع المساءلة القانونية أمام المجتمع الدولي.
تطالب منظمة “صحفيات بلا قيود” السلطات المصرية بـ:
- الإفراج الفوري وغير المشروط عن أنس البلتاجي وجميع المعتقلين السياسيين.
- ضمان حق المعتقلين في الرعاية الصحية والزيارات العائلية وفقًا للمعايير الدولية.
- فتح تحقيقات مستقلة وشفافة في انتهاكات التعذيب والإهمال الطبي.
وتدعو منظمة "صحفيات بلا قيود" المقرر الخاص المعني بالاعتقال التعسفي والتعذيب، والمقرر الخاص المعني باستقلال القضاة والمحامين، بفتح تحقيق عاجل بشأن الانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها المعتقلون السياسيون في مصر، وعلى رأسهم أنس البلتاجي. وتشدد المنظمة على ضرورة اتخاذ خطوات ملموسة لوقف سياسة الاحتجاز التعسفي والمعاملة غير الإنسانية، وضمان محاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات بما يتماشى مع الالتزامات الدولية لمصر في إطار اتفاقية مناهضة التعذيب والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
صادر عن: منظمة “صحفيات بلا قيود”
12 ديسمبر/ كانون الأول 2024