قالت منظمة "صحفيات بلا قيود" إنها تدين بشدة استمرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي تمارسها السلطات المصرية داخل السجون ومراكز الاحتجاز، والتي أودت بحياة عشرات المعتقلين نتيجة الإهمال الطبي وسوء المعاملة.
وآخر هذه الانتهاكات وفاة المهندس المدني عبد الفتاح عبد العظيم عبد الفتاح عطية، البالغ من العمر 70 عامًا، بتاريخ 16 ديسمبر 2024، داخل المركز الطبي بمركز بدر للإصلاح والتأهيل (بدر 3). وتُعد هذه الحادثة استمرارًا لسلسلة مقلقة من الانتهاكات التي تسلط الضوء على تدهور أوضاع حقوق الإنسان في السجون المصرية.
وأوضحت منظمة "صحفيات بلاقيود" إن عبد الفتاح كان محتجزًا احتياطيًا على ذمة القضية رقم 1934 لسنة 2021 حصر أمن دولة عليا، التي تحمل طابعًا سياسيًا، رغم معاناته من أمراض خطيرة في الكبد والقلب والكلى، واحتياجه إلى جلسات غسيل كلى منتظمة للحفاظ على حياته ، ورغم اطلاع السلطات المصرية علي التدهور الحاد في حالته الصحية، رفضت الإفراج الصحي عنه، ما أدى إلى وفاته داخل مكان الاحتجاز في ظروف تُعد انتهاكًا صارخًا لكافة المعايير القانونية والإنسانية المتعلقة بمعاملة السجناء وحقهم في الرعاية الصحية اللازمة.
تؤكد منظمة بلا قيود أن وفاة عبد الفتاح نتيجة الإهمال الطبي المتعمد تمثل انتهاكًا صارخًا للدستور المصري، خاصة المادة 18 التي تكفل الحق في الرعاية الصحية لكل مواطن، والمادة 55 التي تضمن كرامة الإنسان وتمنع تعريضه لأي معاملة مهينة أو حاطة بالكرامة ، كما تُعد هذه الممارسات خرقًا واضحًا للالتزامات الدولية التي تعهدت بها مصر، بما في ذلك المادة 10 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي تنص على وجوب معاملة السجناء بكرامة وتوفير الرعاية الصحية اللازمة لهم. إن هذا الإهمال الطبي المتعمد يُبرز تقاعسًا في حماية الحقوق الأساسية ويؤكد الحاجة الملحة إلى محاسبة المسؤولين وضمان الالتزام بالمعايير الوطنية والدولية لحقوق الإنسان.
وقالت منظمة "صحفيات بلا قيود" انه خلال عام 2024 ، رصدت فاه 50 محتجزًا سياسيًا داخل السجون المصرية نتيجة الإهمال الطبي وظروف الاحتجاز غير الإنسانية التي تتعارض مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان ، ففي 16 ديسمبر 2024 عبد الفتاح عبد العظيم عبد الفتاح عطية، الذي توفي في داخل مركز بدر 3، نتيجة الإهمال الطبي ، وفي ١٢ ديسمبر نشر مركز الشهاب لحقوقي وفاة فضل سليم محمود، في سجن المنيا بعد تعرضه للتعذيب والإهمال الطبي، مما تسبب في إصابته بالشلل والجلطة الدماغية. تشير تقارير إلى أنه سلم نفسه للسلطات إثر تهديدها باعتقال نجله وتلفيق قضايا له، لكنه تعرض للتعذيب الشديد في قسم شرطة دير مواس، وفي نوفمبر 2024 إيهاب مسعود إبراهيم جحا، الذي توفي في داخل سجن برج العرب نتيجة غياب الرعاية الصحية اللازمة.
في بيان لمركز عدالة للحقوق والحريات، صدر في أبريل/نيسان 2018 ، اكد ان وفاة 39 معتقلا في السجون المصرية في الفترة بين 2015 والربع الأول من 2018، وشهد عام 2017 النسبة الأكبر لحالات الوفاة، كما شهد سجن محافظة المنيا (جنوب القاهرة) العدد الأكبر لحالات الوفاة، يليه مجمع سجن طرة في القاهرة، وكانت أبرز الأمراض التي عانى منها المتوفون السرطان والفشل الكلوي ، يقول الباحث المختص بشؤون مصر في منظمة العفو الدولية محمد المسيري إن المنظمة على علم بما لا يقل عن 124 حالة وفاة في السجن منذ بداية 2014، أغلبها بسبب "سوء أوضاع الاحتجاز" مثل ازدحام الزنازين أو عدم نقل مرضى للمستشفى أو حرمان مرضى من العلاج من أمراض مزمنة.
بتاريخ ٢٥ يناير ٢٠٢١ أفادت منظمة العفو الدولية (Amnesty International) ، في تقرير لها بعنوان " ما تموتوا ولا تولعوا؟”: الإهمال والحرمان من الرعاية الصحية في السجون المصرية ، بأن السجون المصرية تُدار بنمط يُظهر إهمالًا طبيًا متعمدًا وممارسات تعذيب ممنهجة، مما يحولها إلى بيئة خطيرة تهدد حياة السجناء السياسيين. ودعت المنظمة إلى اتخاذ خطوات عاجلة لتحسين أوضاع الاحتجاز وضمان توفير الرعاية الطبية المناسبة للسجناء.
وفي السياق ذاته، وثقت هيومن رايتس(Human Rights Watch) في تقريرها " حياة القبور" انتهاكات مستمرة داخل السجون المصرية، مؤكدة أن الإهمال الطبي يشكل أحد الأسباب الرئيسية للوفيات في السجون. كما أشارت إلى أن السلطات المصرية تتعمد استخدام هذا الإهمال كأداة عقابية بحق السجناء السياسيين، مما يُعد انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان والمعايير الدولية للمعاملة الإنسانية.
في تقرير لوزارة الخارجية الأمريكية عن أوضاع حقوق الانسان في مصر لعام ٢٠٢٣ جماعات حقوق الإنسان وثقت ممارسات غير قانونية في السجون المصرية جعلت الظروف صعبة بالنسبة للسجناء في المرافق الجديدة. ووفقاً لهذه التقارير، مُنع المعتقلون والسجناء من الوصول إلى المرافق الصحية، وتعرضوا للحبس الانفرادي لفترات طويلة، وحُبسوا في زنازينهم دون ممارسة الرياضة أو التعرض لأشعة الشمس، كما مُنعوا بشكل غير قانوني من الزيارات العائلية، وحرموا من الأدوات الشخصية التي قدمها أفراد الأسرة، وأجبروا على البقاء في الزنازين مضاءة 24 ساعة يوميا
تؤكد المنظمة على ضرورة إجراء تحقيقات مستقلة وشفافة في وفاة عبد الفتاح عبد العظيم وجميع الوفيات الأخرى داخل السجون المصرية، لضمان محاسبة المسؤولين عن الإهمال الطبي والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. كما تشدد على أهمية التزام السلطات المصرية بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان، من خلال تحسين ظروف الاحتجاز وضمان تقديم الرعاية الصحية اللازمة لكافة المحتجزين.
وتدعو المنظمة إلى الإفراج الصحي الفوري عن جميع المحتجزين الذين يعانون من أمراض مزمنة أو حالات صحية خطيرة، باعتباره التزامًا قانونيًا وإنسانيًا لا يحتمل التأخير. في هذا السياق، تناشد المنظمة المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية الأممية للضغط على الحكومة المصرية لوقف الإهمال الطبي الممنهج الذي يهدد حياة آلاف المحتجزين وضمان احترام حقوقهم الأساسية.
إن وفاة أكثر من 50 محتجزًا هذا العام تمثل دليلًا واضحًا على استمرار السياسات القمعية داخل السجون المصرية، مما يجعل التحرك العاجل ضرورة لإنقاذ أرواح المحتجزين وضمان احترام كرامتهم الإنسانية.
صادر عن منظمة صحفيات بلاقيود
26 ديسمبر/ كانون الأول 2024