المغرب- حقق المغرب خلال العقد الماضي تقدماً تشريعياً وقانونياً يعزز حرية الصحافة وحرية الرأي والتعبير في المملكة؛ من أبرزها اعتماد دستور جديد يكفل حرية الفكر، وحرية الرأي والتعبير، بكل أشكالها ومنع تقييد حرية الصحافة بأي شكل، ومنح حقاً للمواطنين في الحصول على المعلومات الموجودة في حوزة الإدارة العمومية، والمؤسسات المنتخبة، والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام، إضافة إلى اعتماد قانون صحافة ونشر جديد في عام 2016، الذي ألغى أحكام السجن في قضايا الرأي، ووفر الحماية لسرية المصادر، كما استحدث مجلس وطني للصحافة الذي بدأ عمله فعلياً في 2018 عقب استصدار قانونه الخاص باعتباره مؤسسة وطنية مستقلة مسؤولة تقوم بالتنظيم الذاتي لقطاع الصحافة والنشر وينتخب قيادته.
لكن خلال السنوات القليلة الأخيرة، يبدو واضحاً حدوث انتكاسة لحرية الصحافة في المغرب، وبدلاً من مقاضاة الصحافيين عبر قانون الصحافة، بات استخدام القانون الجنائي أمراً شائعاً في هذه الدولة الإفريقية؛ وبدلاً من جنح في مدونة الصحافة أصبحت جرائم حق عام تستوجب سلب حرية الصحفي ومطاردة عمله. كما بدا ظاهراً من المحاكمات التي جرت العام الماضي أن السلطات تقوم بعمليات تشويه كبيرة للصحافيين المستقلين وتوجه لهم اتهامات "مخلة بالشرف" للتنفير منهم؛ مستخدمة آلتها الإعلامية الضخمة في عمليات التشوية الممنهجة. أما أهم المكاسب المتعلق بالمجلس الوطني للصحافة فتسعى الحكومة لإحداث تعديلات في بنيته القانونية تلغي حق الانتخاب وتحوله إلى مؤسسة تستهدف الصحافيين وتراقبهم.
يقدم هذا التقرير وضع حرية الصحافة في المغرب، ويركز على جانبين مهمين الأول: الناحية القانونية والمحاكمات السياسية ووضع المجلس الوطني للصحافة، والثاني: استخدام وسائل الإعلام والصحافيين الموالين والتابعين للحكومة في تشويه الصحافيين عبر ما بات يعرف محلياً "بالمخزن".
- متابعة الصحافيين بموجب القانون الجنائي
في عام 2016 اعتمدت المغرب قانوناً جديداً للصحافة، ألغت بموجبة العقوبات التي تسلب حرية الصحافيين، لكن بدلاً من ذلك تستخدم السلطات القانون الجنائي لملاحقة الصحف والصحافيين المستقلين، وفي العادة تحرك النيابة العامة الاتهامات ضد الصحافيين عدا تلك الاتهامات من الأشخاص المتضررين بشكل مباشر.
ترفض الحكومة المغربية مراراً المطالب المحلية والدولية بوقف ملاحقة الصحافيين بموجب القانون الجنائي بخصوص قضايا في أساسها متعلقة بالعمل الصحفي؛ وهو أمرٌ يثير مخاوف الصحافيين والعاملين في مجال حقوق الإنسان. وهذه المخاوف تم التعبير عنها حتى قبل صدور قانون الصحافة والنشر عام 2016 لاسيما في الشق المتعلق بوجود “جسر” ما بين قانون الصحافة والقانون الجنائي، إذ نص قانون الصحافة والنشر في مادته 17، على أنه “لا تسري أحكام القوانين الأخرى على كل ما ورد فيه نص صريح في مدونة الصحافة والنشر”، فحماية الصحافيين من المحاكمة بموجب القانون الجنائي في قضايا النشر لم تكن واضحة في المادة المشار إليها، والتي تمت صياغتها بعبارات فضفاضة بشكل يبقي على الجسر بين قانون الصحافة والقانون الجنائي في قضايا النشر.
وبالفعل في السنوات اللاحقة لإصدار مدونة الصحافة والنشر جرى ملاحقة الصحافيين بموجب القانون الجنائي، واستخدمت السلطات أدوات قمع جديدة لاستهداف الصحافيين المستقلين والذين يرفضون أن يكون ولاءهم لصالح الحكومة والهيئات الحاكمة في المغرب.
- المجلس الوطني للصحافة -المغرب
انتهت في أكتوبر/تشرين الأول (2022) الولاية القانونية للمجلس الوطني للصحافة، وبدلاً من إقامة الانتخابات مددت الحكومة عمل هيئات المجلس ستة أشهر -حتى في الرابع من ابريل/نيسان (2023)- والآن تتجه إلى إحداث لجنة مؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر؛ ما يزيد الشكوك حول استقلالية المجلس ويؤكد رغبة السلطات في السيطرة على قطاع الصحافة والنشر.
وكشف التمديد عن ثغرات في القانون ذاته ونظامه الداخلي في عدم تنصيص مواد احترازية يتم تفعيلها في حالة عدم انتخاب أعضائه في الوقت المحدد، وأظهر التمديد حدة الخلافات بين مكونات المجلس، ممثلة في التنظيمات المهنية للصحافيين وتنظيمات الناشرين، وهي الخلافات التي تسببت في عدم تنظيم الانتخابات؛ ويبدو أنها النتيجة التي تريدها السلطات لتشريع لجنة خاصة بها تتحكم بوسائل الإعلام وتزيد الرقابة عليها.
كان يفترض أن يكون التمديد حالة مؤقتة لإزالة العقبات أمام انتخاب هياكل جديدة للمجلس الوطني للصحافة، لكن وزارة الشباب والثقافة استخدمت مدة الستة أشهر لتجهيز قانون جديد يستهدف حرية الصحافة في المغرب تمثل في اللجنة المؤقتة بدلاً من الدعوة لإقامة الانتخابات، كما يشير النظام الأساسي فلا يوجد عجز في إقامة الانتخابات. ومن المقرر أن يناقش البرلمان المغربي مشروع هذا القانون المعروف بالرقم 15:23 والذي يشرعن اللجنة المؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر، في الربيع، بعد أن صادقت عليه الحكومة خلال اجتماعها منتصف ابريل/نيسان (2023)، وحسب مشروع القانون فإن اللجنة المؤقتة ستسمر لمدة عامين بنفس يديرها الشخصيات الحالية الموجودة في رئاسة المجلس وترفض الانتخابات.
وعلى الرغم من أن التجربة الأولى للمجلس (صدر قانونه في 2018) أبرزت أعطاباً من النواحي القانونية، والمهنية، وانقسامات حادة بين مكوناته إلا أن الأحرى بالحكومة والمجلس أن يطلقا حواراً بين الصحافيين والمهنيين لتحديد هذه الإشكاليات وإصلاحها وتطوير هذا القانون، حتى يكون ملائماً للدستور المغربي، وللمواثيق الدولية لحقوق الإنسان ذات الصلة بحرية الرأي والتعبير، وللممارسات الفضلى في مجال هيئات التنظيم الذاتي لمهنة الصحافة على المستوى الدولي؛ وليس إلغاء حق الصحافيين في التنظيم الذاتي لمهنتهم عبر المجلس، وإلغاء الطريقة الديمقراطية لوصول رئاسة المجلس واستبدالها بالتعيينات.
وأطلعت "صحفيات بلاقيود" على قانون إنشاء المجلس الوطني للصحافة (90.30) ومشروع القانون الجديد بشأن التعديلات على قانون المجلس الوطني والذي سحب لاحقاً من البرلمان، وهو ذاته الذي ستتم إعادته في الربيع. وخلصت إلى أن الأخير نكسة وكارثة حقيقية يتجاوز نصوص الدستور المغربي الذي يؤكد على حق الجماعات -بما فيها النقابات والمجالس- في "التنظيم الذاتي" بطريقة ديمقراطية ومستقلة، (الدستور المغربي (2011)- الفصـل 135)؛ وتوصلنا إلى مجموعة ملاحظات في مشروع القانون الجديد نشير إليها بالآتي:
- أعطى المشروع اللجنة المؤقتة، كل صلاحيات المجلس التأديبية والتحكيمية والتأهيلية، وصلاحيات إعطاء وسحب البطاقة، والتي كانت تقوم بها خمس لجان؛
- لا يستقيم أن تحل لجنة مؤقتة محل مؤسسة منتخبة لها وضعية قانونية. ولا يمكن أن يصدر عن لجنة مؤقتة: إعداد مشاريع أو مقترحات القوانين لها مساطرها القانونية وإجراءاتها.
- تشكل لجنة مؤقتة تحل محل أجهزة المجلس الوطني للصحافة وتحدد مدة انتدابها في سنتين ابتداء من تاريخ تعيين أعضائها ما لم يتم انتخاب أعضاء جدد خلال هذه المدة”. ويقضي المشروع بأن تتألف اللجنة المذكورة، من هيئة رئاسة المجلس السابقة. وأقصى مشروع اللجنة الجديد لجنتين بالضبط، لأن رئيسيهما ينتميان إلى الفيدرالية المغربية لناشري الصحف، إضافة إلى إقصاء ممثل الاتحاد المغربي للشغل، الذي كان في الانتخابات السابقة هو رأس لائحة ممثلي الصحافيين. وتبين أن هاتين المنظمتين كانتا العضوين الوحيدين اللذان طالبا بإعادة انتخاب ممثلين عن المجلس، بينما عارضه الآخرون. ويتهم الصحافيون المغاربة وزير الشباب والثقافة والتواصل برغبته بقاء هذه الشخصيات "لأنهم من أصدقائه ومقربين من السلطة".
-قضي القانون الجديد باعتماد مبدأ التعيين الملكي بدل مبدأ الانتخاب (تعديل المادة4) ويعيّن الملك رئيس المجلس لمدة (5 سنوات) قابلة للتجديد؛ ولا يمكن عزله (تعديل المادة12) حتى لو ارتكب مخالفات وطلب الأعضاء عزله! كما لا يمكن توقيفه (تعديل المادة 13) حتى بقرار الأغلبية.
ما يشير إلى الأهداف الكامنة وراء تعيين اللجنة أن تكون تابعة بالكامل للحكومة. فتعويض مبدأ الانتخاب بالتعيين في مؤسسة تمثل إحدى ركائز الديمقراطية وهي الصحافة، يبعث إشارة سلبية، ووضع غير صحي لوضع الصحافة المغربية، السيئ بالفعل.
-يرصد المجلس ويتابع ما تنشره المنظمات الدولية حول المغرب، ويقوم بالرد عليها فيما يتعلق بالتقارير الدولية المتعلقة بحرية الصحافة؛ حسب (تعديل المادة 3)؛ وجرى الحذف من التعديل الجديد مهمة المجلس في تقديم تقرير سنوي "عن مؤشرات احترام حرية الممارسة الصحافية وعن انتهاكات هذه الحرة وخروقاتها"، واستبداله بإعداد المجلس تقرير سنوي عن "أوضاع الصحافة والصحافيين في المغرب"؛ وهي مهمتان مختلفتان.
-يقوم المجلس برصد ومتابعة ما ينشر ويبث في شبكات التواصل الاجتماعي؛ في إجراء لمراقبة الصحافيين والصحافيات لصالح الحكومة. كما سيقوم المجلس بتشكيل مرصد لتتبع ما وصفها بالأفعال "التي قد تشكل إخلالاً بميثاق أخلاقيات المهنة" (المادة 35 من التعديل). ويفترض بالمجلس أن يكون عوناً للصحفيين والصحافيات لا رقيباً محاسباً لهم، وتشكيل مراصد لمطاردتهم على الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي بدعاوى فضفاضة تشير إلى نيّة السلطات استخدام المجلس كأداة لاستهداف الصحافيين.
-كما سيقوم المجلس "بالتحرك بصفة استعجالية للتصدي للقضايا التي تشكل ضرراً يهم المسؤولية إزاء المجتمع" (المادة 34 من التعديل) وكلمة المسؤولية إزاء المجتمع فضفاضة تحتمل التأويل وتضع الصحافيين تحت الاستجواب الحكومي عبر المجلس؛ ويمكن أن يؤدي إلى إيقاف التراخيص الصحفية للصحفيين المستقلين، كما أنه يهدد بقاء الصحافة المستقلة التي تتناول تقارير تقدم حقائق حول الفساد والمحسوبية والقضايا التي تهم الجمهور.
-كما ستقوم اللجنة باستدعاء أي صحفي أو وسيلة إعلام (التي جرى الاشتكاء بها) دون أن تتوصل بتقرير المقرر بصيغة قانونية. ما يعني أنه وحتى لو كانت الشكاية ليست مبنية كمخالفة قانونية فإن المجلس يحق له استدعاء الصحفي أو الوسيلة في الوقت الذي يريده! (المادة 38 من التعديل).
-جرى إلغاء عقوبات الإنذار والتوبيخ، والتنبيه دون نشره للعموم من قوائم العقوبات التأديبية، ويمكنه للمجلس سحب البطاقة الصحافة المهنية. وجرى تغليظ الغرامات الضعف من (بين 5 إلى 50 آلاف درهم) إلى (بين 10 إلى 100 ألف درهم). وبدلاً من اقتراح قيام الحكومة بوقف الدعم المالي للمؤسسة الناشرة، يشير التعديل الجديد إلى أنه "يتعين على الحكومة وقف الدعم المالي للمؤسسة الناشرة" (المادة 42 من التعديل).
-العقوبات المفروضة على الصحافيين ومؤسسات النشر غير قابلة للطعن! وهو أمرٌ مستغرب ويشير إلى سلطة أمنية أكثر من كونها مجلس لتنظيم الصحافة؛ فأي عقوبة أو حُكم يتطلب فتح الطعون للصحفيين لتقديم المزيد من الإيضاحات.
- المحاكمات
يستمر القضاء المغربي في العمل كأداة للسلطة التنفيذية، ويحاكم الصحافيين بموجب القانون الجنائي، بدلاً من قانون الصحافة في البلاد. وفي عام 2022، كان هناك ارتفاع في احتجاز السلطات التعسفي للصحفيين بسبب عملهم، واستخدام أساليب الرقابة على المحتوى والمراقبة الشخصية للصحفيين. وتعرض الصحافيون الذين ينتقدون الحكومة المغربية لمضايقات قضائية وتحويل التهم المتعلقة بالجنس إليهم كسلاح. هؤلاء الصحافيون لم يخضعوا لمحاكمات عادلة. بدلاً من ذلك، اعتمدت المحاكم على المقالات التي نشرتها وسائل الإعلام والصحف الشعبية الموالية للحكومة في مقاضاتهم.
وحسب وحدة الرصد التابعة لمنظمة صحفيات بلا قيود، تعرض 21 صحفياً، لانتهاكات في المغرب خلال 2022، بينهم صحفيتين؛ فيما تستمر السلطات في سجن الصحافيين عمر الرضي( معتقل منذ 2020)، سليمان الريسوني (معتقل منذ 2020)، توفيق أبو العشرين (معتقل منذ 2018). نشير إلى طبيعة بعض هذه القضايا:
- اتهامات لا علاقة لها بالعمل الصحفي: تضع السطات المغربية العديد من الصحافيين في السجن، بعضهم بأحكام قاسية وصلت لـ 15 عام، بتهم لا علاقة لها بالعمل الصحفي، وينفي الصحافيون أي علاقة لهم بتلك التُهم، ويؤكدون أن الاتهامات لها علاقة بعملهم كصحفيين مستقلين يقدمون الحقائق للمواطنين. بين تلك الاتهامات باتهامات مثل "هتك عرض، التجسس" الاتهامات الموجهة لهؤلاء الصحافيين تأتي بسبب ممارستهم عملهم الصحفي، وتوجيه انتقادات سلمية للحكومة. وهي واحدة من الأدوات السيئة لإسكات الصحافيين ومنعهم من ممارسة أعمالهم.
من بين تلك القضايا قضية عمر الرضي(33عاماً)، صحفي استقصائي برز في أوائل العقد الثاني من الألفية بعد أن كشف عن فساد الدولة المنتشر في قطاعي الموارد الطبيعية والعقارات؛ الذي أيدت محكمة الاستئناف في مارس/آذار2022 الحكم الصادر بالسجن ست سنوات عليه، ليس فقط بتهم التجسس التي اعتقل بسببها، لكن أيضا بتهمة "هتك عرض"، في محاكمة وصفها أحد أفراد دفاعه بأنها “عبثية” و”سريالية”، غابت عنها كل شروط المحاكمة العادلة. واعتقلت الشرطة الراضي في 29 يوليو/تموز 2020 بتهمة التجسس، وقضى العام التالي في الحبس الاحتياطي، قبل أن تدينه المحكمة.
وتم استدراج الراضي تدريجيا عبر استنطاقات ماراثونية متعلقة بعمله الصحافي، وعبر التنصت على هاتفه المخترق بواسطة برنامج "بيغاسوس" الإسرائيلي، قبل أن يتابع قضائيا بلائحة من التهم منها "المس بسلامة الدولة" و"التخابر مع عملاء دولة أجنبية" و"الاغتصاب"، سبق أن أدين الراضي وحُوكم وسجن بتهمة نشر تغريدة، وتعرض لحملة تشهير واسعة النطاق من قبل وسائل إعلام موالية للدولة.
وتكرر الأمر مع الصحفي سليمان الريسوني الذي أيدت محكمة الاستئناف في الدار البيضاء في فبراير/شباط2022 بسجنه خمسة أعوام بتهمة "اعتداء جنسي" ضد شاب! وخلال المحاكمة جدد الريسوني (49 عاما) الذي اشتهر بافتتاحياته المنتقدة للسلطات التأكيد على براءته وعلى "تناقضات" المشتكي، معتبرا أن محاكمته "سياسية"، بينما جدد الأخير تشبّثه بروايته. وشهدت محاكماته غير العادلة عدة خروقات مثل ” تناقضات في أقوال المدعي، رفض المحكمة إحضار الشهود الذين طالب بهم دفاع الريسوني، ضعف الأدلة التي تقدم بها دفاع المشتكي”. وخلال 2022 أضرب الريسوني عن التواصل ولقاء عائلته لمدة 16 أسبوعاً احتجاجا على حرمانه من عدة حقوق من ضمنها الكتابة.
وفي 25 أكتوبر/تشرين الأول 2019، قضت محكمة الاستئناف بالدار البيضاء بسجن الصحافي توفيق بوعشرين، مؤسس صحيفة "أخبار اليوم" المستقلة، 15 سنة سجنا نافذا، بعدما رفعت عقوبته من 12 سنة، وهو الحكم الذي قضت به قبل ذلك محكمة ابتدائية، في 2018، بالإضافة إلى ملايين الدراهم المغربية (مليونين و500 ألف درهم، أي ما يعادل 250 ألف يورو) عبارة عن غرامات وتعويضات للمشتكيات. ووجهت له تهم اغتصاب ومحاولة الاغتصاب، واعتداءات جنسية. لكن محامي الصحفي يقول إن إدانته قامت على أدلة ملفقة، وإن للمحاكمة دوافع سياسية. حتى أن رئيس الحكومة المغربية الأسبق عبدالإله بنكيران قال: اعتقال بوعشرين بسبب الافتتاحيات وليس بسبب الفتيات.
وتقول السلطات المغربية، إن هذه المحاكمات لا علاقة لها بالعمل المهني للصحافيين المتهمين. وتهدف الحكومة من خلال استخدام الاتهامات اللااخلاقية إلى نزع مصداقية هؤلاء الصحافيين المنتقدين، وتشويه سمعتهم داخل المجتمع المغربي الذي يعتبر محافظاً، وترهيب أي صحفي آخر يقوم بانتقاد السلطات أو المسؤولين بما في ذلك الملك والمقربين منه. كما تهدف الحكومة بتوجيه هذه الاتهامات غير الشريفة إلى حرمانهم من التعاطف المهني داخل المغرب وخارجها إذ أن الاتهامات ليست متعلقة بالصحافة.
ويخالف اعتقال هؤلاء الصحافيين واتهامهم بهذه الاتهامات "اللاخلاقية" كل القوانين والأعراف المحلية والدولية. كما أن حرمان هؤلاء الصحافيين من حريتهم هو اعتقال تعسفي مخالف للمواد 9 و14 و19 من "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"، والذي صادق عليه المغرب.
ووجد تحقيق هيومن رايتس ووتش -الصادر في يوليو/تموز2022- الذي تتبع مجموعة من المحاكمات التي فحصتها في المغرب أن المعارضين أو أقاربهم أو شركاءهم أدينوا إما بناء على تهم تنتهك في حد ذاتها حقوق الإنسان المعترف بها دوليا، أو، عندما تكون التهم مشروعة، على أساس إجراءات غير عادلة انتهكت العديد من ضمانات المحاكمة العادلة. تضمنت العيوب الإجرائية الاحتجاز الاحتياطي المطول دون مبرر مشخصن، وحرمان المتهمين من الاطلاع على ملفات قضاياهم لفترات طويلة، ورفض طلبات الدفاع الاستماع إلى الشهود واستجوابهم، وإصدار الأحكام غيابيا على المتهمين المسجونين، بعد أن تخلّفت الشرطة عن إحضارهم إلى قاعة المحكمة.
- استهداف المجتمع المدني: قضية المعطي منجب ورفاقه تقدم إشارة إلى طبيعة تعامل السلطات مع الصحافيين ومنظمات المجتمع المدني، حيث استمر القضاء المغربي في تأجيل جلسات محكمة الاستئناف في قضية الصحفي والمؤرخ المعطي منجب وستة آخرين من المتهمين في قضية 2015م، فاستدعتهم محكمة استئناف للمحاكمة نحو عشر مرات بين أبريل/نيسان 2021 وديسمبر/كانون الأول 2022. تأجلت الجلسات العشر للسبب نفسه التي تأجلت بها المحاكمة الابتدائية والتي وصلت لنحو 33 مرة منذ 2015: غياب ثلاثة من المتهمين بسبب تواجدهم في المنفى وهم الصحافيين(هشام المنصوري، وعبد الصمد عياش، وهشام خربيشي). وفي يناير/كانون الثاني 2021، أدانت المحكمة الابتدائية في الرباط "منجب" وستة متهمين آخرين بتهم متعددة من ضمنها "تلقي أموال من منظمة أجنبية للمسّ بالأمن الداخلي للمغرب". استندت هذه القضية إلى منحة قدّمتها منظمة غير حكومية هولندية للجمعية المغربية لصحافة التحقيق، التي أنشأها منجب مع نشطاء آخرين، لتنظيم تدريبات على تطبيق خاص بصحافة المواطن.
- استهداف أبسط أنواع الانتقاد: تقوم السلطات بإدانة أبسط أنواع الانتقاد للمسؤولين أو الهيئات الحكومية مستخدمة القانون الجنائي.
المدونة سعيدة العلمي كانت واحدة من المتضررين ففي سبتمبر/أيلول 2022 رفعت محكمة الاستئناف بالدار البيضاء عقوبة السجن على "سعيدة" وهي ناشطة حقوقية، من سنتين إلى ثلاث سنوات حبسا نافذا. وكانت المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء قد أدانت 29 أبريل/نيسان2022 العلمي بالسجن عامين نافذا وغرامة 5000 درهم، بعدما وجهت لها تهم إهانة هيئة ينظمها القانون، وإهانة موظفين عموميين، وتحقير مقررات قضائية، وبث وقائع كاذبة لأشخاص قصد التشهير بهم. والعلمي هي ناشطة في مجموعة “مغربيات ضد الاعتقال السياسي”.
وتستمر قضية الصحافية حنان باكور[13]، في البقاء بالمحاكم منذ العام الماضي (2022)، حيث تواجه تهمة "بث وتوزيع ادعاءات ووقائع كاذبة باستعمال الأنظمة المعلوماتية بقصد المساس بالحياة الخاصة للأشخاص أو التشهير بهم". وتحاكم المديرة السابقة لموقع "اليوم 24" المغربي، على خلفية تدوينة نشرتها على موقع فيسبوك استغربت فيها انتخاب رئيس لمجلس جهة كلميم واد نون، بالتزامن مع وجود القيادي بحزب الاتحاد الاشتراكي عبد الوهاب بلفقيه في وضع صحي حرج.
وحتى عدم التوقير والاحترام يتسبب في سجن الصحافيين والمدونين ففي يونيو/حزيران 2022 أيدت محكمة الاستئناف بمنطقة الحسمية الحكم الابتدائي الصادر في أبريل/نيسان2022 ضد المدون والناشط ربيع الأبلق القاضي بسجنه أربع سنوات حبسا نافذا وعشرون ألف درهم غرامة؛ بتهمة “الإخلال بواجب التوقير والاحترام للمؤسسة الدستورية العليا للمملكة بوسائل إلكترونية”.
- تشهير وسائل إعلام "المخزن"
المخزن (مصطلح يستخدمه المغاربة والمهتمون بالشأن المغربي للإشارة إلى شبكة أصحاب السلطة المرتبطين بالملك وأعوانه من خلال الولاء والمحسوبية) ولا تنفك السلطات المغربية عن استخدام التشهير والاتهامات المشينة كوسيلة لدفع الصحافيين المغاربة خارج ممارسة عملهم وملاحقة الفساد؛ حتى بات الصحافيين يخشون التشهير أكثر من الاعتقال.
إلى جانب الأحكام السياسية التي يتم إصدارها فإن السلطات تهدف من حملة التشهير إلى الإعدام المعنوي للصحفيين المنتقدين، باستخدام المحاكمات الإعلامية، مستخدمة آلة الإعلام القريبة والتابعة لأجهزة الأمن والحكومة.
يتعرض معظم الصحافيين المستقلين والمنتقدين وحتى المعارضين السياسيين إلى حملات ممنهجة في الإعلام (التابع للمخزن)، بمن في ذلك أولئك الذين وقعوا تحت ظلم الأحكام القضائية. فقبل المحاكمات والوصول إلى القضاء تقوم وسائل إعلام المخزن بحملة "إعدام معنوي" تستهدف الصحافيين وعائلاتهم وأقاربهم وأصدقائهم، وتحضر معها اصدار الأحكام والتخوين، والتي تستخدم كغطاء لتبري الأحكام التي يصدرها القضاء. ويستمر تشويه هؤلاء الصحافيين مثل "الرضي" و"الريسيوني" و"المعطي منجب" حتى اليوم.
وتستخدم السلطات الأمنية ووسائل إعلام المخزن لحملات التشهير "تقنيات قمع" مثيرة للقلق من "برمجيات التجسس"، "المراقبة المباشرة"، "الكاميرات المخبأة في المنازل وفي مقر العمل"، والتي تقوم حتى بالتشهير بعائلات الصحافيين المستقلين والمنتقدين للحكومة.
وتتخصص وسائل الإعلام الموالية للمخزن في إنتاج سيل من المقالات حول منتقدي المخزن، أو الحكومة، حتى أولئك الذين يتضامنون مع الصحافيين المعتقلين. وغالبا ما تتضمن إهانات بذيئة ومعلومات شخصية بما في ذلك السجلات المصرفية وسجلات الممتلكات، ولقطات من محادثات إلكترونية خاصة، ومزاعم عن علاقات جنسية أو تهديدات بكشفها، إضافة إلى تفاصيل حميمية تتعلق بأهل المستهدفين وأقاربهم ومن يدعمهم. مثلا، بعد أن نشرت امرأة بيانا على فيسبوك تدعم فيه الصحفي سليمان الريسوني، نشرت وسائل إعلام المخزن إسمَي والديها وتوجهاتهما السياسية، ومعلومات عن الأشخاص الذين صادقتهم، وأماكن لقائها بهم، وذلك على الأرجح كوسيلة لتخويفها بإظهار معرفتهم بمعلومات شخصية عنها، رغم أنها لم تكن شخصية عامة. نشر الموقع نفسه هوية رفيقة سكن عمر الراضي وألمح إلى أنه ورطها في أنشطة غير شريفة.
ويقول كثير من الصحافيين المستقلين إن "احتمالية استهدافهم من المواقع الإخبارية ووسائل الإعلام التابعة للدولة العميقة تتسبب في منعهم من الانتقاد أو التعبير عن آرائهم، حتى لو كان الموضوع لن يذهب إلى القضاء".
بالنسبة لمنجب، المؤرخ المتخصص في تاريخ المغرب المعاصر، فإن ما يشهده المغرب اليوم هو "أسوأ مما كان عليه الأمر في سنوات الرصاص، فعلى الأقل كان المعارضون في سبعينات القرن الماضي يحاكمون بتهم سياسية على مواقفهم وآرائهم من النظام، ورغم حالة القمع الرهيب التي سادت في تلك السنوات إلا أن الأحزاب السياسية كانت تجرؤ على المعارضة والنقابات تحتج في الشوارع، اليوم يريد النظام أن يخرس الجميع، وفي هذا خطر عليه وعلى وجوده لأن الأصوات المعارضة والمنتقدة هي بمثابة مجسات إنذار تنذر بالكوارث قبل وقوعها"
من جهة أخرى يطال التشهير حتى أولئك الصحافيين الموجودين خارج الحدود، ففي 3 فبراير/شباط 2022، نشرت "وكالة المغرب العربي للأنباء"، وكالة الأنباء الرسمية في المغرب، مقالة تنتقد خافيير أوتازو، المراسل السابق ل "وكالة الأنباء الإسبانية" (إيفي) في المغرب، الذي كان قد نشر كتابا انتقد فيه السياسات الاستبدادية المتزايدة في المغرب. اعتمدت مقالة وكالة المغرب العربي بشكل كبير على ملفّ عن أوتازو أعدّه موقع إخباري يُعد من وسائل الإعلام المؤيدة للمخزن تحدث المقال عن "غرقه في كراهية المغرب"، و"برّر" ذلك بالمرارة التي عاشها، "حيث تزوّج بسيدة مغربية أنجب منها طفلين... يعيشان مع والدتهما بعد طلاق سبقته مجموعة من المشاكل". مع أن مثل هذه التعليقات متوقعة من موقع إخباري موال للمخزن، لكن تجدر الإشارة إلى أن وكالة الأنباء المغربية أعادت نشرها بأربع لغات!
لقراءة التقرير أضغط هنا