البيانات الصحفية

صحفيات بلا قيود: لا للإفلات من العقاب ضد الصحفيين

صحفيات بلا قيود: لا للإفلات من العقاب ضد الصحفيين

في اليوم الدولي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين، الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب القرار رقم (68/163) لعام 2013، تؤكد منظمة صحفيات بلا قيود أن واقع حرية الصحافة في العالم العربي يمرّ بأسوأ مراحله منذ عقود،

حيث تحوّل العمل الصحفي إلى مهمة محفوفة بالموت، والبحث عن الحقيقة إلى خطر دائم على الحياة.

تشير بيانات الأمم المتحدة إلى أن أكثر من 80% من الجرائم ضد الصحفيين في العالم لا يُعاقَب مرتكبوها، فيما تُظهر تقارير مراسلون بلا حدود ولجنة حماية الصحفيين أن المنطقة العربية تحتل المرتبة الأدنى عالميًا في مؤشرات سلامة الصحافة.

في فلسطين، وخاصة في قطاع غزة، يعيش الصحفيون مأساة مستمرة منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي في أكتوبر 2023. ووفقًا لتقارير مراسلون بلا حدود (RSF)، قُتل أكثر من 210 صحفيين وصحفيات منذ بدء الحرب، بينما أشارت لجنة حماية الصحفيين (CPJ) إلى أن نحو 70% من الصحفيين الذين قُتلوا في العالم خلال عام 2024 كانوا في غزة وحدها، ما يجعلها المنطقة الأخطر على الصحفيين منذ الحرب العالمية الثانية.
وقد استُهدفت مقرات إعلامية ومنازل صحفيين بالقصف المباشر رغم وضوح شارات الصحافة، في انتهاك صارخ للمادة (79) من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف لعام 1977 التي تضمن حماية الصحفيين العاملين في النزاعات المسلحة.
ورغم حجم المأساة، لم تُفتح حتى اليوم أي تحقيقات مستقلة أو شفافة، ما يمثل تكريسًا لثقافة الإفلات من العقاب ويقوّض الثقة في النظام الدولي الإنساني.

وفي السودان، منذ اندلاع النزاع بين الجيش وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، تعرّض الصحفيون والعاملون في الإعلام إلى سلسلة من الانتهاكات الجسيمة شملت القتل والاعتقال والإخفاء القسري والتهجير القسري. ووفقًا لتقارير هيومن رايتس ووتش ومراسلون بلا حدود، وصحفيات بلا قيود ، تم توثيق سبع حالات قتل مؤكدة لصحفيين، وأكثر من 40 حالة اعتقال واختفاء خلال عام واحد فقط، إضافة إلى تدمير مؤسسات إعلامية بالكامل في الخرطوم ودارفور.
وتحوّل الصراع هناك إلى حرب ضد الحقيقة، حيث تُمنع التغطية المستقلة، ويُلاحق الصحفيون بتهم “نشر الشائعات” أو “الخيانة”، ما أدى إلى نزوح مئات الصحفيين والصحفيات داخليًا وخارجيًا.

ولا تقتصر الانتهاكات على مناطق النزاع. ففي دول عربية أخرى مثل مصر والعراق واليمن وسوريا ودول الخليج، تتعدد أشكال القمع ضد الصحفيين بين الاعتقال التعسفي، والتعذيب، والمراقبة الرقمية، وحظر النشر.
في مصر، يُقدَّر عدد الصحفيين المعتقلين حاليًا بأكثر من 60 صحفيًا وفق بيانات لجنة حماية الصحفيين (CPJ)، معظمهم محتجزون منذ سنوات دون محاكمات عادلة، بتهم فضفاضة كـ”نشر أخبار كاذبة” و”الانضمام إلى جماعة إرهابية”.
وفي العراق، قُتل عشرات الصحفيين منذ احتجاجات أكتوبر 2019، بينهم أحمد عبد الصمد وهشام الهاشمي، دون أن يُقدَّم أي مسؤول للعدالة، فيما يتواصل استخدام التهديد والعنف لتكميم الأصوات المستقلة.
أما في دول الخليج، فتتخذ الانتهاكات طابعًا مختلفًا يجمع بين الرقابة الصارمة والتجسس الرقمي والملاحقة القانونية. ولا تزال قضية اغتيال الصحفي جمال خاشقجي عام 2018 في قنصلية بلاده بإسطنبول مثالا صارخا على فشل العدالة الدولية في مواجهة النفوذ السياسي، في حين تستمر عمليات المراقبة الرقمية باستخدام برامج تجسس مثل “بيغاسوس”، ما يشكل انتهاكًا صريحًا للمادة (19) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ولحق الخصوصية المنصوص عليه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

إن الإفلات من العقاب على الجرائم ضد الصحفيين في المنطقة العربية ليس مجرد غياب للعدالة، بل أصبح جزءًا من بنية السلطة ذاتها، إذ تُستخدم القوانين الجنائية لتجريم النشر بدلاً من حماية حرية التعبير، وتتحول مؤسسات الإعلام الرسمية إلى أدوات للرقابة لا للمساءلة.
وتذكّر منظمة صحفيات بلا قيود بأن حماية الصحفيين واجب قانوني بموجب قرار مجلس الأمن رقم (2222) لعام 2015 والمادة (79) من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف، والقرار رقم (45/18) الصادر عن مجلس حقوق الإنسان، والتي تُلزم الدول باتخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان سلامة الصحفيين ومحاسبة المعتدين عليهم.

وتطالب المنظمة بإنشاء آلية دولية مستقلة لرصد الجرائم ضد الصحفيين في العالم العربي والتحقيق فيها، وإطلاق سراح جميع الصحفيين المعتقلين بسبب آرائهم أو أعمالهم الصحفية، وتعويض أسر الضحايا مادياً ومعنوياً، وإلغاء التشريعات التي تُستخدم لقمع حرية الصحافة، وضمان بيئة قانونية تحمي الإعلام المستقل وتمنع الرقابة الرقمية والتجسس على الصحفيين.

إن الصحافة ليست مهنة فحسب، بل هي شهادة إنسانية على الحقيقة.
في غزة، يستمر الصحفيون في نقل صور الموت فيما فقدوا بيوتهم وأسرهم، وفي السودان وجد كثيرون منهم أنفسهم بين الركام أو في المنافي.
إن حماية الكلمة الحرة هي حماية للحياة نفسها، لأن من يُقتل وهو يحمل الكاميرا يُقتل مرتين: مرة بجسده، ومرة بصمت العالم من بعده.
وتؤكد صحفيات بلا قيود أن إنهاء الإفلات من العقاب ليس مطلبًا نقابيا، بل واجب إنساني وأخلاقي لحماية الحق في المعرفة، وضمان ألا يتحول الصمت إلى قاعدة والعدالة إلى استثناء.

Author’s Posts

Image