في عهد الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، ازدهرت جرائم الاختطافات والاعتقال التعسفي والإخفاء القسري على نطاق واسع، في ظل إفلات تام من العقاب، وزادت وتيرتها منذ انقلاب تحالف صالح والحوثيين على السلطة الشرعية في اليمن واجتياح البلاد في سبتمبر 2014، استنادا إلى موروث تاريخي مثقل بالعنف، ثقافة وممارسة،
فالحوثيون بوصفهم امتداد للعهد الإمامي في اليمن، ينطلقون في تعاطيهم مع المحيط الاجتماعي من حولهم بوصفهم "أعداء وكفار" ما لم يؤمنوا بأفضلية مطلقة للهاشميين "آل البيت" وأحقيتهم الحصرية في الحكم، وبالتالي يخضع المجتمع كله لامتحان مدى إيمانه بمزعوم "الاصطفاء السلالي".
منذ نشأة جماعة الحوثيين في صعدة، وجولات الحروب الست، أنشأت جماعة الحوثيين سجوناً خاصة سرية في محافظة صعدة، وزجت بالعشرات من المواطنين المناهضين لها في تلك السجون، ومع اتساع تمدد المليشيا اتسع نطاق ممارساتها القمعية، وتبعا لذلك اتسعت جرائم الاختطافات وأنشأت جماعة الحوثيين مراكز احتجاز سرية خاصة، واستمرت بسياسات الاعتقالات التعسفية للمواطنين واحتجازهم في سجون سرية، تكون عادة عبارة عن مدارس أو منشآت استولى عليها المسلحون الحوثيون بالقوة وحولوها إلى ثكنات عسكرية للمليشيات التابعة لهم، وشملت الاعتقالات حتى صحافيين وعاملين في مجال الإغاثة، ولم يفرج عنهم إلا بعد انتقادات واسعة.
وعلى مدى قرابة ثلاثة أعوام من سيطرتها على السلطة في اليمن، نسفت ممارسات الحوثيين وحلفائهم كسلطة أمر واقع كل مضامين التشريع الوطني والمواثيق والاتفاقيات الدولية التي يعد اليمن طرفاً فيها وعلى وجه الخصوص تلك المتعلقة بحفظ الحق في الحرية والكرامة ومنع السجن التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب.
ويمكن إجمال أنماط السجون المستخدمة حاليا ابتداء من السجون الرسمية التابعة شكليا لمصلحة السجون والمسماة بالإصلاحيات المركزية، والسجون التابعة للمناطق الأمنية التي تسمى بالسجون الاحتياطية وهي الأخرى تتبع وزارة الداخلية شكليا غير أنها تدار من قبل مشرفين أمنيين تابعين لمليشيا الحوثيين، كما تستخدم المليشيا السجون التابعة لجهازي الأمن القومي وسجن الأمن السياسي، ويقبع فيها حاليا عشرات المختطفين، وسجلت شهادات عن استخدام المصحات النفسية لإخفاء معتقلين مصابين بحالات نفسية أو فاقدي الذاكرة.
واستحدثت المليشيا مباني خاصة، بينها مبان حكومية، لسجن وإخفاء البعض من المعتقلين، كما حولت بعض المساجد وملحقاتها إلى سجون، كما أنشأت قوات النخبة الحضرمية وقوات الحزام الأمني سجونا خاصة، مطار الريان مثالا، يحتوي على مخفيين قسريا ويديره ضابط إماراتي يتعامل مع الآخرين من خلال كنية: أبو أحمد، وهي واحدة من السلوكيات التي يشترك فيها الضباط الإماراتيون مع مشرفي مليشيا الحوثي.
كشفت تقارير حقوقية واستقصائية عن معلومات مرعبة لوضع السجون التي تديرها مليشيات الحوثيين وصالح وتلك التي تديرها الإمارات العربية المتحدة، وصلت حد التعذيب حتى الوفاة، ووثقت شهادات بتعرض سجناء للتعذيب بالشوي والاعتداءات الجنسية والسجن في حاويات ملطخة بالفضلات الآدمية والصعق بالكهرباء في أماكن حساسة من الجسم وتعليق أوزان ثقيلة في الأعضاء التناسلية وتغطية العينيين طوال مدة الاحتجاز وتقييد اليدين أطول وقت ممكن ورفع أو خفض درجة الحرارة بطريقة تضر بالجسم وتسبب الأذى.
تعتمد مليشيا الحوثي وقوات صالح على عدة طرق في تنفيذ عمليات الاعتقال، فيما يعد نظام الرهائن أحد الأنماط التي تستخدمها مليشيات الحوثيين، حيث تعمد مليشيا الحوثيين وحليفهم صالح إلى استخدام نظام الرهائن في سياق سياسات الاعتقال، للمقايضة مع ذوي الضحايا مقابل الحصول على أموال، لتتحول عملية الاختطاف سوقاً رائجة لما يمكن ان يشكل صورة من صور الاتجار بالبشر، حيث تنشط عناصر قيادية بالجماعة في العمل كسماسرة للمتاجرة بحريات الضحايا، ومساومة أقارب المعتقلين، للحصول على مبالغ مالية باهظة كفدية مقابل إطلاق سراح ذويهم.
ومن غير المستبعد أن يكون ثمة دور محوري في تفشي ظاهرة المتاجرة بحريات الضحايا للثقافة الاستعلائية التي تتغذى منها جماعة الحوثيين، على أساس الانتماء السلالي، وتمارس بشأنها التعبئة الفكرية لعناصرها.
وبالنظر إلى طبيعة الضحايا الذين تستهدفهم مليشيا الحوثيين وصالح في سياساتها الممنهجة في الاعتقالات، يبرز الناشطون السياسيون والإعلاميون كهدف رئيسي، بالإضافة إلى عامة الشعب ممن يناهضون المليشيا أو يرفضون سياساتهم، حيث تنظر جماعة الحوثي إلى الناشطين المدنيين والصحافيين كخصوم مفترضين، وتتعامل معهم بوحشية مفرطة، في سياق سياسة ممنهجة ومتعمدة، كشفت عنها خطابات زعيم الجماعة نفسه عبدالملك الحوثي.
وتتفشى ظاهرة التعذيب بوتيرة ممنهجة في السجون الواقعة تحت سيطرة قوات الحوثيين وصالح في اليمن، وكذلك في سجون القوات الإماراتية في عدد من مدن الجنوب، وإن بدرجة أقل، حيث تحدث العديد من الناشطين اليمنيين المفرج عنهم بمرارة عن ما لاقوه من معاملة سيئة خلال احتجازهم وتعرضوا للتعذيب، وخرج عشرات المعتقلين جثثا هامدة أو بحاجة إلى علاج طويل المدى ويحمل بعضهم إعاقات لا علاج لها.